الجمعة، 15 يوليو 2016

لماذا يتزايد عدد ناقلات النفط الراسية قرب شواطيء سنغافورة؟

كريس بارانيوك
صحفي في تكنولوجيا المعلومات




شيء غامض لا يزال يحدث منذ أشهر قليلة في البحار المحيطة ببعض الموانيء الكبيرة، إذ باتت أعداد متزايدة من ناقلات النفط ترسوا بالقرب من تلك الموانئ أكثر من المعتاد، ربما لأيام وأسابيع متتالية، فلماذا؟
تُشحن ثلاث مليارات طن من النفط الخام ومشتقاته على متن ناقلات عملاقة حول العالم كل عام. ولكن مؤخراً توقفت بعض هذه الناقلات.
وفي الحقيقة، ومنذ شهر مارس/آذار، رست العديد منها بشكل غير معتاد قبالة شواطيء سنغافورة، وروتردام في هولندا، على سبيل المثال لا الحصر، وليس معلوماً حتى الآن سبب ذلك.
وتراقب الوكالة الدولية للطاقة ذلك الوضع، وفي نهاية شهر مايو/أيار، تعقّبت الوكالة حركة أقل من 94 مليون برميل من النفط الخام غير المكرر، فيما يعرف بمصطلح "الخزانات العائمة".
أما شركة كلاركسونز لخدمات الشحن، ومقرها في لندن، فتقول إنها تعقّبت عدداً متصاعداً من ناقلات النفط الراسية حول العالم، من 85 إلى 120 ناقلة.
ولقياس ذلك، تتعقب كلاركسونز الناقلات بوسائل بصرية، مثل الصور الملتقطة عبر الأقمار الصناعية، وتقارنها بالمعلومات المتوفرة عن كيفية المتاجرة بالنفط عبر العالم.
ويقول محلل الأسواق لدى الشركة، سايمون تشاترابوتي: "إنه أشبه بعمل مخبر يحاول جمع كل أجزاء المعلومات سوية".
وتشمل أرقام كلاركسونز ناقلات ذات قدرة على استيعاب حمولات ضخمة تتراوح ما بين 55 ألف طن إلى 440 ألف طن مما يعرف بالحمولة الساكنة، بما في ذلك 55 من ناقلات النفط الخام العملاقة ذات حمولات تتراوح ما بين 279 ألف طن و320 ألف طن، وناقلات النفط الخام الهائلة الضخامة ذات حمولات تزيد عن 320 ألف طن.
وقد ازداد عدد ناقلات النفط الخام العملاقة منذ مارس/آذار بمقدار 18 ناقلة.
إنها سفن ضخمة حقا، فحمولة 90 مليون برميل تعني كمية كبيرة جدا من النفط الخام. في العادة، لا تتجاوز الكمية العائمة المخزونة أكثر من 70 مليون برميل، استناداً إلى الوكالة الدولية للطاقة. فلِمَ هذه الزيادة؟



تساءل البعض إذا ما يعنى ذلك الكشف عن كميات النفط "الآجلة" ضمن الكمية العائمة المخزونة. إنها الحالة التي يخزن فيها تجار النفط هذه المادة في عرض البحر بانتظار ارتفاع الأسعار مجددا، وعملياً، تعد هذه خطوة لتحقيق الأرباح دون القيام بأي شيء.
ومع ذلك، وبينما يشهد سعر النفط ارتفاعاً منتظماً مرة أخرى، فهو لا يرتفع حقاً بسرعة تكفي لتحقيق أرباح ذات جدوى من الناحية الاقتصادية. فالاحتفاظ بالنفط في ناقلاته ليس رخيصاً، فهناك أجور الشحن، ونفقات التأمين.
ويعتقد أكثر الخبراء أن السبب الحقيقي يكمن في عدم وجود ما يكفي من الأماكن في المرافيء لتفريغ النفط، فصهاريج تخزين النفط على اليابسة مملوءة بالكامل.
ويعود الفضل في هذا إلى وفرة النفط في الآونة الأخيرة، أكثر بكثير من الطلب عليه، فكان لذلك دور مزدوج في خفض أسعار النفط حول العالم، وتزويد المخازن الحالية بكميات غير مطلوبة.
ويوضح أندرو ويلسون من الوكالة الدولية للطاقة قائلاً: "أرسل تجار النفط شحناتهم إلى سنغافورة، ولكن ليس باستطاعتهم إيجاد محطات على اليابسة لتفريغ تلك الناقلات".
ويضيف: "شهدنا في المحطات الرئيسية بناء أماكن لاستيعاب النفط خلال السنوات الخمس الأخيرة، لكن الكميات القادمة زادت بشكل كبير".
وبحسب ويلسون، فإن كميات النفط المخزونة في روتردام، على سبيل المثال، "وصلت إلى مستويات قياسية".
ولا يدور الحديث هنا حول النفط الخام فقط، إذ يبدو أن بعض الناقلات الراسية قبالة موانيء سنغافورة مثلاً تخزن كميات كبيرة جدا من زيت الوقود، وهو أحد منتجات تكرير النفط الخام، وتستعمله السفن، ولكن الطلب عليه ليس مرتفعاً بشكل خاص في الوقت الراهن.
ويبدو أن ذلك قد حدث نتيجة الزيادة الكبيرة في إمدادات النفط عالمياً، والتي فاقت كثيراً الطلب عليه خلال السنة أو السنتين الماضيتين.
كما حدثت حالة مثيرة للاهتمام قبالة الساحل الإيراني أيضا، حيث رست بعض ناقلات النفط العملاقة هناك. وقبل يناير/كانون الثاني، منعت العقوبات المفروضة على إيران تصدير النفط الإيراني للخارج.


امتلأت صهاريج تخزين النفط على اليابسة بكميات كبيرة تجاوزت قدرتها على استيعاب المزيد

وحينما كانت العقوبات مفروضة ضد ذلك البلد، قامت السلطات الإيرانية بتخزين النفط قبالة سواحلها، ومع ذلك لا يُفهم السبب وراء عدم تحريك تلك الناقلات بعد رفع العقوبات. لكن ويلسون يعتقد أن المشكلة تتعلق هنا بأمور لوجستية.
ويخزن قسم من هذه الناقلات نوعاً من الوقود المسمى "الغاز الطبيعي المتكثف"، ولا تستطيع جميع مصافي النفط معالجته بسبب احتوائه على عدد كبير من الشوائب.
ما الذي سيستجد؟ يعتقد تيم سميث من شركة "إم إس آي" الاستشارية في أمور الشحن في لندن أنه نظراً لارتفاع أسعار النفط ثانيةً في الوقت الراهن، فإن كميات من النفط ستبدأ في الانتقال إلى البر ليتم تكريرها في المصافي بتسارع أكبر، مما سيخفف من كميات مخزون النفط العائم.
ويقول: "مع ارتفاع الأسعار، سيتوقع من المصافي خفض تلك الكميات (المخزونة قرب السواحل)".
أضف إلى ذلك الاختلافات الفصلية في كيفية عمل تلك المصافي. إذ يشهد الربيع والصيف في العادة، وبعد أعمال الصيانة التي تُجرى في أوائل العام، قفزة مفاجئة في الكميات المنتجة في هذه المنشآت.
وبينما تُستنفد كميات النفط المخزونة على اليابسة، يجب تفريغ كميات أكبر من تلك الناقلات لتحل محلها.
ويضيف ويلسون أن التوقعات الحالية للوكالة الدولية للطاقة تشير إلى عودة المخزون العائم من النفط الخام إلى ما يقرب من 70 مليون برميل خلال الأشهر المتبقية من السنة.
ومع هذا، وبينما أصبحت لدينا فكرة أوضح عما يدور، فإن الصورة الكاملة لحركة النفط يكتنفها بعض الغموض على الدوام.



"إنها حكاية يكون فيها المتاجرون هم المفتاح الرئيسي، بينما لا يدعونك لكي تعرف ما يفعلون"، حسبما لاحظت ميشيل ويز بوكمان من شركة "أو بي آي إس تانكر تراكر"، إحدى الشركات المختصة بتحليل المعلومات في قطاع صناعة النفط.
وهناك المزيد من التعقيدات. ففي أوائل هذا الشهر، أخفقت منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) في الوصول إلى اتفاق حول مستويات إنتاج النفط، وكان الاتفاق على سقف معين للإنتاج سيساعد نظرياً في ضمان عدم الاستمرار في زيادة العرض عن الطلب.
فإذا ازدهر الإنتاج، وانخفضت أسعار النفط ثانيةً، فقد تسوء حالة المخزون العائم أكثر.
وتقول بوكمان إنه رغم كل ما ذُكر يجب أخذ كل هذه الأمور ضمن سياقها الصحيح. ففي عام 2009، تعقبت الوكالة الدولية للطاقة أثر 112 مليون برميل من النفط الخام العائم في المحيطات والبحار، مقارنة بما نراه اليوم، وهو94 مليون برميل فقط.
بالإضافة لذلك، كان هناك 58 مليون برميل من مشتقات النفط ـ أي أن الإجمالي هو 170 مليون برميل. كان ذلك أمراً لا مثيل له في وقتها، وأدى إلى أسعار آجلة حقيقية، حيث كانت عمليات شراء وبيع النفط تُجرى قبالة السواحل، لتحقيق بعض المنافع الاقتصادية.
وتقول بوكمان: "من المؤكد أنني لا أرى شيئاً كهذا في الوقت الراهن."


لماذا يتزايد عدد ناقلات النفط الراسية قرب شواطيء سنغافورة؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق