* * * * * *
وَجَـد قادة جبهة التحرير الوطني أنفسهم، مضطرين بسبب قسوة ظروف الحرب خلال الثورة، لطلب فتوى من جمعـية العُـلماء المسلمين بخصوص شهـر رمضان، وأصدر هؤلاء العـلماء فتوى تبيح عـدم الصيام . وبالفعـل التزم المجاهدون بالفتوى الشرعـية، وبعـد الاستقلال تمكنوا من صيام الأيام التي أفطـروها خلال رمضان بين 1954 و 1962 ، ويروي عـدد من المجاهدين ، التقت بهم ''الخبر''، ظروف رمضان خلال الثورة، وكيف تعـاملوا مع الفتوى التي تبيح عَـدم الصيام.
المجاهد عـايسي محمد الشريف قائد المنطقة الأولى بالأوراس
الثورة ألزمت المجاهدين بالإفطار بعـد استفتاء علماء الجزائر
قال المجاهد محمد الشريف عـايسي، قائد المنطقة الأولى للولاية الأولى أوراس النمامشة، إن المجاهدين في جبال الأوراس واظبوا خلال السنوات الأولى من الكفاح المسلح، عـلى صوم رمضان كلما حلّ، فلم يكن أحد منهم يجرؤ عـلى الأكل، حتى وهـو يخوض المعـارك ضد القوات الفرنسية، لكن اشتداد الثورة، وتصاعـد ردع القوات الفرنسية لهم، نتج عـنه بروز ظروف قاسية، فصدرت فتوى من جمعـية العُـلماء المسلمين الجزائريين تبيح عَـدم الصيام.
وأضاف عايسي: ''بعـد انعِـقاد مؤتمر الصومام يوم 20 أوت 1956، تلقى قادة الثورة في الأوراس، وباقي الولايات، تعـليمات مسنودة بفتوى لعَـدد من العـلماء الجزائريين ، تُلزمهم بالإفطار في رمضان، لمواجهة مَشَـقّـات الكفاح المسلح والتنقل الدائم عَـبر الجبال والوديان لمقارعَـة العـدو الفرنسي''.
وأوضح عايسي أن المجاهـدين استقبلوا هـذه التعـليمات ، التي حملت صيغـة إلزامية بشيء من التحفظ، إلا أن الكثير منهم التزم بها عَـن قناعة، خاصة بعـد أن زكّاها وأيدها أئمة المنطقة وعُـلماؤها وقُـضاة الثورة الذين كان جلهم من تلاميذ جمعـية العُـلماء المسلمين، حرصا عـلى تمكنهم من خوض المعارك، ونصب الكمائن للعـدو الفرنسي، وهـم في أوج قواهـم .
ورغـم ذلك فقد كان الكثير من المجاهدين، حسب محمد الشريف عـايسي، يكتفون بشرب الماء، وتناول بعـض ''الكسرة'' التي يحملونها معـهم. وأصرّ عـلى التأكيد بأن إفطار المجاهدين في رمضان كان عـن اقتناع بجواز ذلك، خاصة وأن بعـضهم كان حافظا لكتاب الله، حيث أدركوا جواز الإفطار للمسافر، وهم يَعـتبرون أنفسهم مسافرين بحكم تنقلهم بصفة دائمة من منطقة لأخرى لمقارعـة القوات الفرنسية ، وسط ظروف طبيعـية ومناخية شاقة جدا. وأردف ذات المتحدث: ''لكن المجاهدين لم يكونوا يُظهرون عـدم صيامهم، حين يتصلون بأهاليهم، أو بسكان القرى والمداشر الذين يجهلون تماما إن كان المجاهدون مفطرين أم لا، حتى لا يثيروا أي حساسية تجاههم من قبل أفراد الشعـب الصائمين''.
وحينما سألناه إن كان جميع المجاهدين يلتزمون بالفتوى، التي أصدرها عـلماء الجزائر وزكاها قُـضاة الثورة في مختلف المناطق، لم يُخف محدثنا أن بعـض المجاهدين كانوا يخفون عـدم صيامهم عـن قادتهم خارج أيام المعارك. وكشف أنه كان يصوم أحيانا خفية عـن المجاهدين، رغـم إصراره كقائد منطقة عـلى تنفيذ تعـليمات وأوامر الثورة بضرورة حث المجاهـدين عـلى الإفطار في رمضان.
وبعـد الاستقلال ، حرص عـلى قضاء الأيام التي أفطر فيها ، مع دفع الفدية، وفق ما تُقـره الشريعَـة الإسلامية، وأكـد أن جل المجاهدين الذين يعـرفهم تمكنوا من صيام الأيام والأشهر التي أفطـروا فيها إبان الثورة التحريرية.
( باتنة: الشاذلي زفادة )
المجاهـد نوري الحسين :
صُمت خفية فلم أقدر عـلى حمل البندقية وأدركتُ أني أخطأت
قال المجاهد نوري الحسين البالغ من العمر تسعة وسبعين سنة، والذي قضى نحو ست سنوات يتنقل بين جبال قالمة خلال ثورة التحرير، إن المجاهدين غالبا كانوا لا يصومون شهر رمضان، بناء على فتوى صادرة عن جمعية العلماء المسلمين تجيز لهم الإفطار، وأوضح أنه صام ذات مرة واحدا وعشرين يوما وكان يفطر على ''المعكرونة'' بالماء والملح، وأحيانا يأكل الحشائش إذا توفرت.
حاول السيد نوري أن يقدم صورة عن يوميات المجاهدين خلال ثورة التحرير، وكيف كانوا يقضون أيامهم في شهر رمضان تحديدا، فقال: ''قضيت قرابة الست سنوات أتنقل بين جبال دباغ، هوارة وماونة، حيث كانت هذه الأخيرة المحطة التي عينت فيها لأداء عملي الثوري. وكان قانون جبهة التحرير الوطني يمنع علينا الصوم، بسبب المخاطر التي تتربص بالثوار، كما أن المستقبل بالنسبة لنا كان مجهولا، حيث لا نعلم أين سنتوجه ولا أين سنحط رحالنا وهل سنجد ما نأكله، فكان لزاما علينا أن نستعد تحسبا لأي طارئ، وكنا نخضع حتى للمراقبة من قبل فرقة حتى لا نصوم، وقد تدعم ذلك بالفتوى التي أصدرتها جمعية العلماء المسلمين، والتي تبيح للمجاهدين الإفطار خلال شهر رمضان، وكان صومنا يقتصر على أيام فقط عندما نتأكد من استقرارنا في مكان ما''. يذكر السيد نوري ما حصل معه خلال سنة 1960، عندما قام بمخالفة رأي الجماعة وأدائه للصوم، وقال ''صمت واحدا وعشرين يوما لكني ندمت كثيرا على ذلك، كنا مجموعة تتشكل من تسعة أفراد كنت الوحيد من بينهم الصائم، فأوكلت لنا مهمة على مسافة بعيدة كان الجميع نشيطا، عـداي حتى البندقية لم أتمكن من حملها، فتأكدت أنني قد أخطأت عندما خالفت رأيهم''. وفي ما يتعلق بما كان يتناوله المجاهدون من أكل، قال محدثنا ''كنا نتولى الطهي بأنفسنا، خاصة وأن المنطقة التي كنا نقيم بها معزولة عن السكان ومحاصرة من قبل الجيش الفرنسي. كان أكلنا يقتصر على ''المعكرونة'' بشكل رئيسي. أحيانا تكون بالماء والملح، وأخرى نضيف لها الطماطم إن تحصلنا على المؤونة. وقد تعلم المجاهدون أيضا كيفية تحضير ''الكسرة'' عندما يتوفر لدينا الدقيق، وباقي الأعمال التي تقوم بها النساء، وأحيانا ومن شدة الجوع وانتهاء المؤونة، كنا نأكل ''الحشائش''، وحتى هذه لم تكن تتوفر في كل حين، بحيث كانت تنمو في فصل الربيع، وهذا ما يطيل أيام الجوع التي تصل لأربعة أيام متتالية أحيانا، فكنا نستعين ببعض الناس ليوفروا لنا المؤونة من منطقة ''وادي المعيز حاليا''، حيث كانت بها منازل للفرنسيين ومحلات''.
( قالمة: م. أم السعـد )
حسب شهادة اللواء المتقاعـد جوادي
العـقيد عـميروش كان متسامحا مع جنوده
يكشف الدكتور سعيد سعدي، في كتابه ''عميروش، حياة، موتتان، وصية''، أن العقيد عميروش لم يفرض الصيام على المجاهدين بالولاية الثالثة، إلا على من هو قادر على تحمله. واستنادا إلى شهادة المرحوم لخضر بن طوبال، فقد عقد العقيد عميروش اجتماعات مع المجاهدين ليقول لهم بصريح العبارة إن كل واحد حر في صوم رمضان.
واستند الدكتور سعدي، في ذات الكتاب، لشهادة اللواء المتقاعد والمجاهد عبد الحميد جوادي، أنه تلقى توبيخا من قبل رؤسائه لأنه أصر على الصوم. ويضيف اللواء جوادي: ''وصل بنا الأمر إلى أن أفطرنا في وسط شهر رمضان داخل مسجد، ولم يكن هناك مع ذلك لا تحد ولا تجاوز للحدود. كان قادتنا يملكون الإيمان، ولكنهم يقدّرون الظروف. لأن البقاء دون أكل يومين أو ثلاثة أو حتى أربعة أيام في حالة الحصار، وادّعاء الصوم في مثل تلك الظروف، أمر ينم عن عدم مسؤولية''.
( الجزائر: ح. ع )
المجاهدَان صيفي رابح وزاغـز بشير
نصوم خلسة عـلى القيادة ونفطر عـلى الكسرة والماء
أكد ضابط جيش التحرير بالولاية السادسة المجاهد صيفي رابح، أن العديد من المجاهدين إبان الثورة التحريرية كانوا يحاولون صوم رمضان، لكن تعليمات قيادة الولاية تمنعهم وتجبرهم على الإفطار، على اعتبار أن الظرف يتعلق بالحرب، ولا يمكن معرفة موعد مباغتة العدو. ناهيك على أنه ليس من المعقول مواجهة المستعمر المدجج بمختلف الأسلحة والمجاهدين في حالة صوم. وقال الحاج رابح إن المجاهدين كانوا في أغلب الأحيان يتنقلون من جبل إلى آخر. موضحا أن هناك من كان يصوم خفية وتعرض للمساءلة من أجل توعيته. واستدل محدثنا بالمجاهد بن سهلة عياش الذي عقدت له جلسة من طرف المسؤولين الذين شرحوا له الظرف من جميع الجوانب وأقنعوه بالإفطار.
وفي نفس السياق، يقول المجاهد زاغز بشير إن العديد من المجاهدين كانوا يصومون رمضان دون علم القيادات. مؤكدا أنه صام في سنوات 57 و58 و59 خلسة عن مسؤوليه. وعن الظروف التي كانوا يعيشونها في هذا الشهر الفضيل في زمن الثورة المباركة، قال المجاهد زاغز بشير: ''طيلة أربعة أيام كاملة لا نتناول سوى فنجان القهوة. وفي ظل عدم توفر الأكل فإن كل فرد يحصل في أحسن الحالات على قطعة ''كسرة وقارورة ماء''. وأشار محدثنا إلى أن حالة الحرب وعدم الاهتمام بالأكل كانت تدفع المجاهدين إلى الصوم أحسن لهم، حيث كان الفرد يبقى على الجوع ليومين أو ثلاث. وضرب لنا المجاهد زاغز مثالا بمعركة جبل بوزكرة قرب مدوكال، أين دارت معركة مع العدو من السادسة صباحا إلى الحادية عشر ليلا، حيث ظل قرابة 330 مجاهد، لازال البعض منهم على قيد الحياة، دون أكل أو شرب لمدة طويلة.
( بسكرة: ل. فكرون )
مجاهـدون من سطيف يروون يومياتهم ..
أفـطرنا أيام رمضان وسددنا الدين بعـد الاستقلال
التقت ''الخبر'' بالمجاهدين سعيد شربال، وذوداي التواتي، وعمي عزوز، بمقر المنظمة الوطنية للمجاهدين بسطيف، وأوضحوا أنه نظرا لصعوبة مهمة المجاهدين خلال الثورة، واستنادا للظروف القاهرة التي كانوا يعيشونها، فقد أمرت قيادة جبهة التحرير الوطني، بالإفطار في رمضان، وهذا بناء على فتوى لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين. وأكد المجاهدون بأنهم قد سددوا الدين، وصاموا خلال أيام الاستقلال ما أفطروه خلال أيام الحرب والاستعمار. ورغم تعليمات جبهة التحرير الوطني التي كانت تنص على عدم الصيام، كان بعض المجاهدين يصومون رمضان، وقال المجاهد سعيد شربال إنه صام أول أيام الشهر الفضيل سنة 1957، معتبرا بأن طبيعة العمل الجهادي كانت لا تتغير، والحركة من منطقة إلى أخرى ضرورة أمنية، وبالتالي فلا مركز معين للإفطار ولا للسحور. وقال: ''حدث وأن مشيت سيرا على الأقدام رفقة 35 مجاهدا من زملائي من منطقة بني فيلكاي ببجاية، إلى جبال البابور بين سطيف وجيجل، على مسافة حوالي 30 كيلومترا، وذلك في إطار تنقلات لتأمين المجاهدين، ودامت الرحلة حوالي 9 ساعات، وقد وصلنا إلى منطقة بابور في حدود آذان المغرب، حينها أخذنا قسطا من الراحة، وأفطرنا على رغيف خبز وشَـربة من الماء لنكمل بعـدها المسيرة، وفي اليوم الثاني من الشهر الفضيل، كانت لنا وجهة أخرى، فلا مجال أثناء الحرب للتوقف والثبات لمدة طويلة بمكان واحد''.
ـــ الموضُـوع منقُـول عـن : منتديات أولاد بوسعَـادة ـــ
•• المُـجاهـدون وشهـر الصـيـام أثنـاء الثـورة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق